المشاركات

عرض المشاركات من 2019

ثرثرةٌ على ضفاف النسيان | ١٣ | غرور

(رسائل إلى نفسي.. لعلّها تذكّرُ أو تنفعها الذكرى) " الغرور ما هو إلّا رداءٌ شفيفٌ لا يواري سوأة من يعاني من تورّم الذات " أتذكرُ من اتهموك يوماً بالغرور؟ أظنّهم لم يكونوا مُنصفين في اتهامهم.. ولم يكونوا مخطئين في انطباعهم أيضاً! أذكرُ أنك كنتَ تُبدي انزعاجك من هكذا تُهمةٍ في سالف الأيام.. أما مؤخراً.. فتبدو كمن لا يعنيه الأمر كثيراً. لم تعُدْ تكترثُ لآراء الناس فيك وتصوّراتهم عنك.. أو بمعنىً أدقّ.. لم تعُدْ تكترثُ لآراء بعض الناس وليس كلهم. أصبحتَ تفرز جيداً وبحرص بين من يعرفك ويعرف عنك ما يسمح له بإطلاق أحكامه عليك ومن لا يعرفك البتّة ثم يكيل الاتهامات ويوزّع الانطباعات جزافاً. وما أكثرهم للأسف! وحتى أولئك الذين يدّعون أنهم يعرفونك.. قد يخلطون أحياناً.. بين الغرور والاعتداد بالنفس! بين الغرور والثقة بالذات! بين الغرور والتعالي عن سفاسف الأمور! بين الغرور والأنفة! ولذا.. أظنهم لم يكونوا منصفين ولا مخطئين في الوقت نفسه. ربما لأن التحلّي بتلك الصفات الحميدة في عُرف التافهين هو الغرور بعينه! هل تعلمُ ما هو الغرور في حقيقته؟ الغرور ما هو إلّا رداءٌ شفيف...

ثرثرةٌ على ضفاف النسيان | ١٢ | معارك الحياة

(رسائل إلى نفسي.. لعلّها تذكّرُ أو تنفعها الذكرى) ‏ " من يستسلم لجيوش الخوف..  لن يتشرّف بخوض معارك الحياة! " الخوف.. ذلك الوحش الذي يولد معنا، بداخلنا، ومن أجلنا. نحتاج إليه حتماً وإلى سطوته الجبّارة في كل تفاصيل حياتنا.. نستخدمه دوماً دون وعيٍ منا ليحمينا، ليضبط اندفاعنا، ليوازن قراراتنا، وليتحكم في مصائرنا في كل دقيقةٍ نحياها.. لكن.. يجب ألّا ننسى أبداً أنه في طبيعته وحش رهيب لا يمكننا السيطرة عليه وإن بدا لنا أليفاً ومفيداً، فسرعان ما يعلن عن وجهه الحقيقي القميء في أقرب فرصةٍ يتحيّنها متى ما انطلق من عقاله، لينقضّ علينا ويفترسنا.. الغريب أنه يعلم جيّداً بأننا لا قِبَل لنا بمواجهته متى ما أصبح حرّاً طليقاً، وهو ينتظر تلك الفرصة على أحرّ من الجمر! وفي الحقيقة، فإن الخوف القابع في دواخلنا ليس وحشاً واحداً يسهل ترويضه.. كلّا ولا، بل هو وبلا مبالغة جيوش من الوحوش.. وحوشٌ لا نكتشفها حقّاً إلّا عندما تفاجئنا بضراوتها وذلك حينما نسمح لها أن تنطلق من أسرها داخل عقولنا.. حينها، وحينها فقط.. تذرع تلك الوحوش وفي جنون كل زاويةٍ وكل شبرٍ لتعيث فينا فساداً، دون  مانعٍ أو ...

ثرثرةٌ على ضفاف النسيان | ١١ | لقد خذلتهم

(رسائل إلى نفسي.. لعلّها تذكّرُ أو تنفعها الذكرى) " الخذلان هو أن يعطيك أحدهم ما فوق استطاعته، فلا تعطيه حتى ما تستطيع "      كنتُ قد حدّثتك عن نقائص عدّةٍ طواها العمر ولا يسرُّك الحديث عنها،   ولكني غفلتُ عن إحداهنّ وربما كانت أعظمهنّ. إنها الخذلان.. لا، لا، بالطبع لا أقصدُ من خذلوك، فهؤلاء قد مضوا في حال سبيلهم بخيرهم وشرهم.. وبرغم أنهم كُثُر، وخذلان بعضهم كان مؤلماً بحقّ، إلّا أنه لا يعنيني من أمرهم شيء، ولستُ عليهم بمسيطر.. ما يعنيني هو أنت.. وما أقصده هو من خذلتهم أنت! لماذا فعلتَ ذلك؟ وكيف تنظر إلى ما فعلت؟ في الحقيقة، أنا لا أعلم لمَ لم أعاتبك على هذا حينها، فقط أعلم أن هذه النقائص وإن تباعد بها الزمن فإنها حتماً لا تسقط بالتقادم. قد تجدُ أعذاراً مريحةً تسوقها إليّ مبرّراً بها خذلانك لمن علّق بك آمالاً عظيمة ذات يوم، غير أن أعذارك الباهتة تلك لن تنطلي عليّ يا قريني، وارتياحك الموهوم ذلك الذي تبديه بعد ما فعلتَ بهم لا يسعه خداعي.. وإن كنتَ ستزعم عقب اعترافك بخطئك بأن خذلانك لهم كان خارجاً عن رغبتك وإرادتك، وأنك لم تنوِ يوماً الإ...

(عمل) مسلوق!

(مقال) لطالما اعتقدتُ أن أيّ مجتمعٍ هو كائنٌ حيّ بطريقةٍ ما، ألا ترى معي أن المجتمع يتمتّع بعددٍ من خصائص الكائن الحي؟ إنه يحيا ويموت، ينمو ويتنفّس، يمرض ويشفى، ينام ويستيقظ، يتفاعل مع باقي الكائنات وله مزاجه الخاص أيضاً، وكما أن أيّ كائن حيّ يتكوّن في بنيته العضويّة من أعضاء وأنسجة قوامها الأساسي الخلايا، فإن الأمر ذاته ينطبق على المجتمع؛ وخلاياه في هذه الحالة هم الأفراد. ولذلك، فإن سلوك الأفراد/الخلايا حتماً سيؤثر على سلوك المجتمع/الكائن، ولا أدلّ على ذلك من بعض سلوك الأفراد الذي إذا وافق هوىً جمعيّاً تحوّل إلى سلوك مجتمع، وحينها نكون أمام ظاهرةٍ اجتماعية قد تُنتقد وتضمحلّ إن كانت غير مقبولة، وعلى النقيض فقد تتمدّد بعدما تلاقي قبولاً عاماً لتصبح ثقافة تسم هذا المجتمع أو ذاك وتميّزه عمّا سواه، وبالتالي فإن تراكم الثقافات زمنيّاً هو ما يصنع هوية الأمم، وهو أيضاً ما يجعلها في النهاية تتقدّم أو تتأخّر في سباق الحضارات المحموم الذي لا يرحم. فيما يخصّ مجتمعنا الفتيّ، فإننا نستطيع جميعاً رصد سلوكيات فرديّة واعدةٍ تبشّر بمستقبلٍ أجمل، وأخرى وخيمة أخشى أنها مرشحة لأن تتطوّر إلى ظا...

الوعي⁩.. نواة الإنسانية والحضارة

‏⁧(مقال) منذ النشأة الأولى أدرك الإنسان بأدوات عقله البدائية آنذاك أنه كينونةٌ مستقلةٌ بذاتها، قادرة على الفعل والتفكير وتوليد المشاعر، كما أدرك أيضاً وعبر حواسّه أنه كائنٌ مختلف عن باقي الكائنات والموجودات من حوله، وعن طريق هذه العمليات العقلية والحيوية نشأ لديه (الوعي) الذي أعتقد أنه اللبنة الأولى التي بنى بها إنسانيته وحضارته عبر العصور. يعتبر الوعي خاصية تميز الكائن البشري عن غيره من الكائنات والأشياء الطبيعية،  ومن هذا المنطلق جرى اعتبار أن الإنسان هو بالأصل ذات واعية، ولذلك فإن  الوعي كنشاط إنساني وعقلاني فريد متصل بالمعرفة قد يتقدّم أ ويتأخّر تبعاً لتشكّله عبر أكثر من سلطة متداخلة، هي بالترتيب حسب أهميتها؛  ‏الذات/الضمير، و ‏المجتمع/الثقافة، و ‏الدين/الأخلاق، وأخيراً  النظام/القانون. مع تطوّر الوعي نفسه، عكف الإنسان على تعريفه ومحاولة فهم ماهيّته عبر عدة أطروحات ‏متباينة، دشّنها الفلاسفة منذ القدم مروراً بمختلف أرباب العلوم، حتى تم إخضاع هذا المفهوم مؤخراً للتجارب والمعامل في محاولاتٍ لا تتوقف في سبيل تفسيره بشكلٍ أفضل، ومع ذلك فإننا لا نزال نستطيع ا...

ثرثرةٌ على ضفاف النسيان | ١٠ | أما زلت تشتاق؟

(رسائل إلى نفسي.. لعلّها تذكّرُ أو تنفعها الذكرى) " لماذا الحنين هو أصدق المشاعر الإنسانية وأعمقها أثراً؟ " أما زلتَ تشتاق لأولئك الراحلين الذين غادروك إلى الأبد؟ وتلك الأشياء التي فارقتك إلى غير عودة؟ أصدقني القول يا صاحبي.. إذ لا مجال هنا للتنصّل من أسئلتي الموجعة.. قد تستطيعُ أن توهم الجميع بما تشاء إلّا أنا! أنا الوحيد في هذا العالم الواسع الذي لا يحتاج إلى أن تبوحَ أو تسرُّ إليه بأي شيءٍ مهما صغر أو كبر، لأنني وببساطةٍ نفسك! هل نسيت أو تناسيت؟ لا أعتقد ذلك، لكن يبدو لي أنك تحاول كسب بعض الوقت فقط لعلّني أغير رأيي أو أتراجع عن أسئلتي.. أضحكتني رغماً عنّي، فأنا لن أتراجع أبداَ.. هيّا أعترف.. لنعتبرها ليلةً من ليالي الاعترافات التي تتجّلى فيها.. لا حاجة إلى تذكيرك إلى ما في الاعتراف من إحساسٍ تعرفه جيداً، ذلك الإحساس الذي لا يُضاهي بالتحرّر، بالتطهُّر والانعتاق! إذاً، هيّا، هيّا، لن تستطيع أن تنكر ذلك الشعور النوراني العميق الذي يغمرك مع كل اعتراف. حمداً لله أنك قد اعترفتَ أخيراً.. مع أنّي كنتَ على يقينٍ من فحوى إجابتك منذ البداية.. أعني إجابتك التي لم ...

ثرثرةٌ على ضفاف النسيان | ٩ | تديّنك لك

(رسائل إلى نفسي.. لعلّها تذكّرُ أو تنفعها الذكرى) " التديّن وما ينطوي عليه من عباداتٍ وإيمانيّاتٍ شانٌ فرديّ خاصّ بين الإنسان وربه، وليس شأناً مجتمعياً" أتفقُ معك بأن الأمر محيّرٌ جداً! أعني مفهوم التديّن بين الفرد والمجتمع. وأقصد مظاهر التديّن التي يسرفُ في إظهارها كثيرٌ ممّن نراهم حولنا في كل مكان، وكأنهم ينتظرون قبول أعمالهم والمثوبة من الناس لا من ربّ الناس!! والأدهى من هذا هو كمية النصائح الدينيّة التي يسدونها ليل نهار لترسم للآخرين طريقاً أوحداً لقناعاتهم هم عن طبيعة التديّن الصحيح المقبول عند الله حسب زعمهم.. أمّا الأمرّ من ذلك كله فهو حجم الوصاية التي يحاول هؤلاء القوم بتعنّتهم ممارستها على الآخرين.. حتى أنهم وصلوا إلى درجة تسميتها الدعوة إلى الله وما يتفرّع عنها من المناشط الدعويّة، مع أننا نعلم جميعاً أن الدعوة تكون لغير المسلمين وليس للمسلمين الموحّدين من إخوتهم!! أعلم أنه أمرٌ لا يمكن تصديقه ولكنها بعض الحقيقة. التديّن وما ينطوي عليه من عباداتٍ وإيمانيّاتٍ شانٌ فرديّ خاصّ بين الإنسان وربه، وليس شأناً مجتمعياً.. إذ لا علاقة للمجتمع بتديّنك وعباداتك لا...

ثرثرةٌ على ضفاف النسيان | ٨ | دنيا..

(رسائل إلى نفسي.. لعلّها تذكّرُ أو تنفعها الذكرى) " الدنيا كما سمّاها خالقنا دُنيا وليست عُليا،  لأنها في أصلها مليئةٌ بالدنايا والامتحانات والكدر" تبدو هذه الأيام حزيناً بشكلٍ استثنائي لأنك تشعر بالظلم.. لأنك تشعر بأن الدنيا قد تآمرت عليك أكثر مما ينبغي، ولم تنصفك كما تستحق! ألأنك لم تنلْ منها ما سعيتَ من أجله، وما ترى نفسك جديراً به أكثر من غيرك؟ ويحك!! وما الجديد في كل ذلك!! لقد أثرتَ حفيظتي وحنقي كما لم تفعلْ من قبل.. حسناً، فمع أني أعلمُ أنك تعرف سلفاً كل ما سأقول، ومع ذلك سأذكّرك به كما أفعل في كل رسائلي التي أبعثها إليك.. من باب؛ ذكّر فإن الذكرى تنفعُ المؤمنين. لعلّ وعسى.. أولاً، من قال لك إن هذه الدنيا جمعيةً خيريّة تكافئ دوماً كل من يستحق المعونة والإحسان؟ ولماذا تفترضُ من الأساس أنها يجب أن تنصفَ الجميع في كل الأحيان؟ ثانياً، إن الدنيا لو كانت كما تأملُ منها أن تكون لأصبحتْ اليوم الآخر لا الدنيا.. لأصبحتْ تُسمّى دار الحقّ والجزاء والإنصاف لا دار الزيف والابتلاء والمظالم. ثالثاً، الدنيا كما سمّاها خالقنا دُنيا وليست عُليا، لأنها في أصلها مليئةٌ ب...

ثرثرةٌ على ضفاف النسيان | ٧ | التسامي والتعامي

(رسائل إلى نفسي.. لعلّها تذكّرُ أو تنفعها الذكرى) " إن التعقّل والحكمة يمليان على كل لبيبٍ اللجوء إلى فنّ التغافل كردّ فعلٍ ناضج على كل استفزازات أولئك التافهين، ما لم تصل السهام إلى العِظام!! " أغمض عينيك وكأنك لم ترَ شيئاً.. أغلق أذنيك وكأنك لم تسمع شيئاً.. ضع أعصابك في ثلّاجة اللامبالاة، وأمسك عليك لسانك وكأنك أبكم.. فلو فكّرتَ قليلاً كما يفعل العقلاء لتغافلت عن كثيرٍ ممّا يجري حولك ويستفزّك، وبالطبع فأنت لا تفعل ذلك من أجلهم، فهم حتماً لا يفهمون رقيّك، بل من أجلك ومن أجل راحة بالك. ابدأ بالتغافل عن زلّات أحبابك وأصحابك، وهي قليلةٌ وناتجةٌ إمّا عن لحظة غضبٍ ستزول أو سوء فهمٍ لن يطول. أما التغافل الحقيقي فمسرحه عالم اليوم الذي يعجّ بالتافهين والحمقى والمارقين والذين لا يجيدون في حياتهم غير الاستفزاز، وستجدهم في كل مكانٍ من حولك، في الحيّ والشارع والعمل والسوق، وحيثما ذهبت. أنت تفهم مثلي دوافعهم بلا شكّ.. لا بدّ أن يعوّضوا عن عقدة النقص والشعور بالدونيّة لديهم والذي يقضُّ مضاجعهم.. لا بدّ أن يُشعروا ذواتهم المعتلّة بوهم الأهميّة المفقودة.. إنهم يفعلون ذلك بوعي...

ثرثرةٌ على ضفاف النسيان | ٦ | لن أكذبَ عليك

(رسائل إلى نفسي.. لعلّها تذكّرُ أو تنفعها الذكرى) " الصدق ليس فضيلةً فقط.. الصدق حريّةٌ يعجز عن تذوّق جمالها معشر الكذّابين " لماذا كذبتَ من جديد؟ لماذا ضعفتَ ككلّ مرةٍ تدّعي فيها أنك اضطررت إلى الهروب عن طريق الكذب؟ ألم نتعاهد في آخر مرّةٍ على عدم العودة لمقارفة هذه الخطيئة الأبدية؟ أحاول أن أتفهّم كل دوافعك وتبريراتك المتجدّدة التي تتفنّن في إبتداعها عندما تكذب.. ولكنني لن أفعل مثلما تفعل، لن أفعل ما انتقدك بسببه، لن أكذب عليك.. وبعيداً عن إدّعاء المثالية التي تتّهمني بها، فإنه لم يسبق لي أن وجدتُ لك عذراً وجيهاً يجمّل لجوئك إلى الكذب.. سأكون أكثر صراحةً معك، وأعترف لك بأنني بالفعل مللت من وعودك الكاذبة! إلى متى تظنّني سأحتمل ما تفعله بنا؟ لا داعي لأن أذكّرك أن الكذب مهما زيّنته لك ذاتك هو ضعف وسقوط.. ولا داعي أيضاً لأن أكرّر بأنك قويّ ولا تحتاج إلى هذا. تحتاج فقط إلى أمرين تستطيع فعلهما حتماً.. أن تتحدّى مخاوفك التي أزرت بك.. وأن تواجه ضعفك الذي لطّخ قناعاتك.. افعلهما فقط، وأعدك عندئذٍ بأنك ستقول الصدق، ولا شيء سوى الصدق! الصدق ليس فضيلةً فقط.. الص...

ثرثرةٌ على ضفاف النسيان | ٥ | أنا ضميرك

(رسائل إلى نفسي.. لعلّها تذكّرُ أو تنفعها الذكرى) " طبيعتك الأوليّة هي مزيجٌ فريدٌ أبدعهُ الخالق بين الملائكة والشياطين، غير أنه أكرم منهما " أعلمُ أنني في كل مرةٍ أتسلّلُ فيها إلى يوميّاتك أو أكتبُ إليك فيها أبدو كُنهاً ثقيل الدم. كما أعلمُ أنك تفكر أحياناً بالتخلّص منّي أو إسكاتي على الأقل لتعيش كما تشاء دون مناكفاتي على الرغم من طيبتي معك، وذلك بسبب شغفك الذي لا يهدأ بالانطلاق والانعتاق.. ولكنه قدرنا أنا وأنت، ولا فكاكَ لنا من أقدارنا كما يُقال.. لا زلتُ مُرغماً على أن أتقمّص دور الضمير الذي يتحدثُ إليك بفوقيّة! لا زلتُ مجبولاً على أن أمارس عليك دور (الأنا العُليا) التي تحدّث عنها سيجموند فرويد. وفي الحقيقة، فأنا لا أُجيدُ غير لعب هذا الدور مهما حاولتُ أن أتحرّر منه، وقلّما أفعل!! أما أنت.. نفسي.. الوجه الآخر لي.. فإن حالك أيّاً يكن هو أفضل من حالي، وأنت بالطبع تدري لماذا؟ وإن كنتَ نسيتَ كعادتك فلا مندوحة من تذكيرك.. حسناً، يكفي أن لك مطلق الحرية في الاختيار.. في الانتقال خلال كل لحظةٍ تجرّبها ما بين نوازعك الخيّرة وغرائزك الشرّيرة، وبعبارةٍ أخرى، ما بين ...

ثرثرةٌ على ضفاف النسيان | ٤ | يومٌ لك ويومٌ عليك

(رسائل إلى نفسي.. لعلّها تذكّرُ أو تنفعها الذكرى) " استمتع بالأيام الجميلة، ولا تستسلم لتلك القبيحة، حاول استثمارها لصالحك بكل وسيلةٍ ممكنة، وأنا متأكدٌ بأنك ستنجح قليلاً وستفشل كثيراً! " مرّ عليك يومٌ جميلٌ آخر.. كم هذا رائع؟ كم تمنّيتَ أن الأيام كلها هكذا؟ كان بودّي أن أرتدي معطف اللطف في هذه اللحظة بالذات لأتماهى معك.. وكان بودّي أكثر أن أجيبك بما تحبّ سماعه في مثل هذه الأجواء المثالية التي تنتابك حالياً؛ أعني بأن هذا ممكنٌ بالطبع متى ما أردتَ أنتَ لا سواكَ ذلك، أو بأن هذا قرارك أنت وحدك، فلا تسمح لأحدٍ كائناً من كان أن ينتزع منك مزاجك المعتدل، ولا تسمح لأي ظرفٍ أن ينكّد عليك! كان بودّي... وبودّي... وبودّي.... لكنني وكما تعرفني لن أجاملك.. وفي نفس الوقت لن أخاتلك.. سأخبرك بالحقيقة التي أعرفها فقط ودون إضافات.. الحقيقة التي لا تجيد الإقبال ولا الإدبار، والباقي عليك.. تلك الحقيقة تقول وبكل وضوح أن الأمر وللأسف ليس بهذه السطحيّة التي يتحدّثون عنها بتكرارٍ ممجوجٍ كالببّغاوات أولئك الحمقى الذين يسمّون أنفسهم (مدرّبي تطوير الذات)..!! إذ أن للحياة فلسفتها الخاصة ف...

ثرثرةٌ على ضفاف النسيان | ٣ | عقلٌ وعواطف

(رسائل إلى نفسي.. لعلّها تذكّرُ أو تنفعها الذكرى) " إنّ بعضاً من العاطفة ستميّزنا عن الجمادات، وقليلاً من العقل سيميّزنا عن باقي الكائنات الحية " أنتَ تعرفني كما لا يعرفني أحد، وتعرفُ جيداً كم أحبك.. ولذلك، فإنك ستجدُ أن كل رسائلي إليك تستندُ إلى هذه الحقيقة المُجرّدة. وإذا سلّمنا بهذا الأمر من حيث المبدأ.. فسيبقى أن تعرف أنني لم أدّعِ يوماً امتلائي بالحكمة ولا امتلاكي للحقّ، فهذا يبدو بعيدَ المنال عني.. وسيبقى أن تتأكد أنني عندما أنصحك، وقلّما أفعل قياساً إلى حجم أخطائك، فأنا لا أقصد أن أمارس عليك نوعاً سلطويّاً من الوصاية العقلانية، مع مقدرتي على ذلك إلى حدٍّ ما.. والسبب في ذلك ليس سرّاً لا يُذاع.. بل أعترفُ لك بأن السبب يعود إلى عدم قناعتي بذلك أوّلاً، وإلى طبيعتك المنطلقة والمتمرّدة آخراً، وأنا لا أنوي بتاتاً أن أخسرك إن حاولتُ ممارسة قدرٍ أكبر من تلك الوصاية العقلانية عليك. سأعتمد في ذلك كما جرتْ العادة على تبصّرك وحسن تقديرك للأمور.. وفي المقابل، فإني وكما جرتْ العادة أيضاً سأنتظر منك كل التجاوب الملائم والطاعة المتدثّرة بالقبول والاقتناع عندما أتدخّل و أُ...

ثرثرةٌ على ضفاف النسيان | ٢ | بحر العلاقات

(رسائل إلى نفسي.. لعلّها تذكّرُ أو تنفعها الذكرى) " ستتعلم مع العمر والتجربة كيف تبحر بقاربك بسلاسةٍ  وأمانٍ في بحر العلاقات المضطرب حيناً والهادئ أحياناً "  هل تعتقد أنهم بالفعل يهتمّون لأمرك؟ أولئك الذين قد تصرفُ الكثير من الجهد والوقت والاهتمام لإرضائهم.. أولئك الذين ربما تسمّيهم معارفك وأقاربك وزملائك وغيرها من الأسماء التي تعرفها.. أولئك الذين إن أقبلت ابتسموا لك في وجهك، وإن أدبرت تحدّثوا عنك في غيابك بلا رحمة! ولماذا تعتقد أنهم سيفعلون؟ لا تكن ساذجاً إلى هذا الحدّ.. ولتكنْ واقعيّاً مثلي.. إنها طبيعة أغلب البشر في كل زمانٍ ومكانٍ بلا استثناء. ولذلك، أرجوك أن تتوقّفْ عن الاعتقاد بأن الجميع سيحبك ويثني عليك لمجرد أنك تريد ذلك.. لمجرد أنك قد تجتهد لتكون لطيفاً ومهتمّاً لأمرهم! مع أنهم في الحقيقة لم يطلبوا منك أن تفعل، وذلك لأنهم وببساطة يأخذون منك ما يريدون، دون زيادةٍ أو نقصان! توقّفْ عن رفع سقف التوقّعات، كي لا تُصاب بذات الصدمة والوجع مع كل علاقةٍ ستسمّيها بعد حينٍ بـ(الخاسرة). الأمر لا يستحق منك كل هذا العناء.. صدّقني.. ستتعلم مع ...

ثرثرةٌ على ضفاف النسيان | ١ | عثرتُ عليها

" كانت لا أكثر من.. ثرثرةٍ لنفسي على ضفاف النسيان " كتبتُ خلال حياتي العديد من الرسائل.. ثرثرتُ من خلالها كثيراً،.. وربما أصبتُ فيها قليلاً، لستُ متأكداً.. ولكني على الرغم من كل شيء متأكدٌ أني قد كتبتها وأرسلتها إلى الوجهة الصحيحة.. إلى نفسي، نفسي فقط.. ولكنها للأسف ولأسبابٍ خارجةٍ عن إرادتي كانت لا أكثر من.. ثرثرةِ لنفسي على ضفاف النسيان! فلا هي بعد أن وصلتْ إلى وجهتها كما أردتُ لها قد صعدت إلى الوعي واستقرّت فيه، بل ظلّت طيّ النسيان.. ولا هي قد وقعتْ بيدِ الآخرين، ولو بالخطأ، فاطّلعوا لمجرّد الاطلاع على ما سكبته فيها عبر السنين من قناعاتي وتجاربي ووجداني. هي رسائلُ فيّاضة ولكنها شفّافةٌ حدّ الإيلام في بعض الأحيان.. ربما لأنها ذاتية.. أو لأنها تفيضُ بالاعترافات.. وربما لأنها لم تُكتبْ أصلاً لتناسب ذوق أحدٍ أو لتثير انتباه آخرٍ سوى من كُتبتْ لأجله. ولأني قد عثرتُ عليها مؤخراً وبالصدفة في بقعةٍ منسيّةٍ من ثنايا عمري.. ولأن كل ما احتوته لم يكن في يومٍ من الأيام سرّاً يحسنُ بي إخفاؤه.. ولأنها مليئةٌ بالثرثرة التي لا غنىً لنا عنها، لنواصل م...

يُمهلُ ولا يُهمل

(أُقصوصة) كانت سيارتهم الصالون الكبيرة لا تكاد تتّسع حتى لطفلٍ إضافي، فأفراد العائلة التسعة قد توزّعوا على الصفوف الثلاثة بالتمام والكمال.. وبالرغم من أن مقصورة السيارة كانت تغصّ بأجسادهم إلّا أن جوّاً من السعادة الحقيقية والدفء العائلي كان يخيّم عليهم وهم ينطلقون عائدين إلى منزلهم قبيل منتصف الليل، وذلك بعد أن قضوا ليلةً استثنائية في مسقط رأسهم وهي تلك القرية الوادعة القريبة من الرياض، حضروا واستمتعوا خلالها بحفل زواج أحد أقاربهم. كان هيثم يجلس خلف مقود السيارة التي تتهادى كالسفينة وهي تمخر ذلك الطريق الخالي الممتدّ أمامه بلا نهاية، ولم يكن قادراً على أن يخفي ابتسامته العريضة وهو يحاول جاهداً إرضاء الذائقة الفنّية لأخواته المشاكسات الثلاث اللاتي يكبرنه عمراً، ويتقاسمن مع أمهنّ الصف الثاني من مقصورة السيارة، بينما كنّ الأخيرات يتنازعن فيما بينهنّ كعادتهنّ مع اختيار كل أغنية جديدة يضعها هيثم، والتعليقات المضحكة التي يتقاذفنها لا تتوقف. أما الأمّ، فقد كانت تستفيض في سرد أدقّ التفاصيل والأحداث التي رصدتها أثناء حفل الزواج، وقد دنت بوجهها من أذن الأب الستيني الوقو...