ثرثرةٌ على ضفاف النسيان | ٣ | عقلٌ وعواطف

(رسائل إلى نفسي.. لعلّها تذكّرُ أو تنفعها الذكرى)


" إنّ بعضاً من العاطفة ستميّزنا عن الجمادات، وقليلاً من العقل سيميّزنا عن باقي الكائنات الحية "
أنتَ تعرفني كما لا يعرفني أحد، وتعرفُ جيداً كم أحبك..
ولذلك، فإنك ستجدُ أن كل رسائلي إليك تستندُ إلى هذه الحقيقة المُجرّدة.
وإذا سلّمنا بهذا الأمر من حيث المبدأ..
فسيبقى أن تعرف أنني لم أدّعِ يوماً امتلائي بالحكمة ولا امتلاكي للحقّ، فهذا يبدو بعيدَ المنال عني..
وسيبقى أن تتأكد أنني عندما أنصحك، وقلّما أفعل قياساً إلى حجم أخطائك، فأنا لا أقصد أن أمارس عليك نوعاً سلطويّاً من الوصاية العقلانية، مع مقدرتي على ذلك إلى حدٍّ ما..
والسبب في ذلك ليس سرّاً لا يُذاع..
بل أعترفُ لك بأن السبب يعود إلى عدم قناعتي بذلك أوّلاً، وإلى طبيعتك المنطلقة والمتمرّدة آخراً، وأنا لا أنوي بتاتاً أن أخسرك إن حاولتُ ممارسة قدرٍ أكبر من تلك الوصاية العقلانية عليك.
سأعتمد في ذلك كما جرتْ العادة على تبصّرك وحسن تقديرك للأمور..
وفي المقابل، فإني وكما جرتْ العادة أيضاً سأنتظر منك كل التجاوب الملائم والطاعة المتدثّرة بالقبول والاقتناع عندما أتدخّل و أُسدي إليك توجيهاً يفيدك ولا يضرّك.
أعلمُ أنني سأبدو لك أحياناً قاسياً ومتناقضاً وغرائبياً، ولكن صدّقني أنني في كل ذلك أجتهدُ ما وسعني الاجتهاد لأحسّن من سلوكك ولأجنّبك الألم، لأجعلك أفضل وأجمل، وهذا غاية مُرادي.
إن للعقل سطوةٌ موجعةٌ أحياناً على العاطفة، ولكنها في الحقيقة ليست ترفاً، بل هي كما أظنّ من الضرورات التي لا تستقيم حياتنا ولا تزدهر بدونها..
لا أعتقدُ أن حياةً هانئةً قد تنشأ بلا عواطفنا..
كما أني لا أعتقدُ أن حياةً ناجحةً قد تستمرّ بلا عقولنا!
ربما لأن بعضاً من العاطفة ستميّزنا عن الجمادات، وقليلاً من العقل سيميّزنا عن باقي الكائنات الحية.
لن أطيل عليك..
سأذكّرك فقط بحكاية..
أجل، نفس الحكاية القديمة التي رويتها لك سلفاً عن حياة الإنسان..
تلك الحياة التي يعيشُ فيها شعبٌ من العواطف تحكمهُ نخبةٌ من العقول.

تعليقات

  1. كم أنت جميل في كل ما تكتب يبو ظافر.. أبدعت وأمتعت..
    من كل قلبي ❤️ ( أهنيك)

    أستمر أيها الرائع 🌹🌹

    ردحذف
    الردود
    1. أنتم الرائعون حقاً ويسعدني انطباعك 💐

      حذف

إرسال تعليق

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

ثرثرةٌ على ضفاف النسيان | ١٣ | غرور

رحلة بريّة

الوعي⁩.. نواة الإنسانية والحضارة