انتقام ضرس!!
(أُقصوصة)
لا بد أن يشعر بي الأناني هذه المرة!
أنا أعمل في خدمته منذ نعومة أظفاره، ولم أجد للأسف منه إلا كل
الإهمال والتمادي..
أيظنني لا أشعر لأنني لا أشتكي؟؟
بئس الصاحب هو..
تبّاً له!
لقد بلغ اليأس منه ومن عنجهيته في التعامل معي كل مبلغ، وما لم أظهر
له قدرتي الجليّة على الاحتجاج ورفض هذه المعاملة السيئة التي تعوّد عليها فلن
يشعر بي بتاتاً، ولن يحترمني، وسيستمرّ في ممارساته الممجوجة هذه معي ومع بقية
زملائي.
لن أنسى أبداً ما جرى لجاري العزيز (عقل) العام الماضي..
ذلك المسكين الذي بعد أن تفانى في خدمته وهرم، لم يكلّف نفسه حتى عناء
الاهتمام به ولو لمرة واحدة في حياته..
لم يعرضه على طبيب الأسنان لعلاجه..
ولم يجد منه حتى كلمة: شكراً!
بل سارع إلى خلعه فوراً، وكأنه يعاقبه على مرضه، دون أدنى إحساس
بالذنب أو الحزن لفقده، ولكن كل هذا الجبروت والتسلّط الذي لا يعرف غيره سينتهي!!
أعده بذلك..
وسنعرف جميعاً من هو الأقوى والأجدر بالاهتمام والاحترام؟
أنا وكل من أمثّلهم من زملائي أم هذا اللعين؟
إن غداً لناظره قريب..
أعلم جيداً أنه قرار صعب, وسيكلفني قبل أن يكلفه الكثير، ولكن لا بأس..
بعض التضحيات المؤلمة أمر لا مناص منه أحياناً.
لم أكن لأفعل ما سأفعله لولا أن تجاوز كل حدّ، وأسرف في الإهمال، وهو
يعلم أكثر مني أن لكل صبر نهاية.
لقد صبرت أعواماً مديدة على سخافاته وعدم مراعاة إمكانياتي وإهمال
نظافتي وتجاهل حساسيتي، وهأنذا الآن وقد فقدت جزءاً من بدني قبل أسبوع بسبب
وحشيّته المزمنة في الأكل..
ومع هذا كلّه، فأقصى ما تكرّم عليّ بفعله هو أن تحسّس موضع الكسر
بأصابعه الباردة؟
أقسم أن أجعله يندم ما تبقى له من العمر..
سأفعلها، وأوقظه من منامه الهانئ..
وسأجعل بقية ليلته هذه قطعة من الجحيم..
أنا ومن بعدي الطوفان..
عندها فقط سيشعر بمعاناتي، وسيعالجني، وسيهتم بي وبزملائي..
للأسف هو لا يفهم إلا هذه اللغة..
لغة الأقوياء!!
• • • • •
استيقظ الرجل من نومه في منتصف الليل على ألمٍ حادٍّ في ضرسه لم
يجرّب مثله طوال حياته..
ألم أصاب نصف وجهه تقريباً بالتنميل وما يشبه الشلل.
صرخ من شدّة الوجع..
وهرع إلى المرآة، متفحّصاً ضرسه على عجل..
ضغط بكل قوته على خدّه، ولكن بلا جدوى تذكر.
ابتلع أكثر من مرة نوعين من المسكّنات، ولم يختفِ الألم الممضّ ولم
تخفّ حدته حتى، وظلّ يتلوّى موجوعاً حتى طلع الصباح، والأرق يتناوب مع الألم
ليفسدا عليه ليلته الفظيعة تلك دونما توقف.
لم يذق طعم النوم ولو للحظة..
لم يساوره أدنى شك بأنه ألم صادر من تلف بعصب الضرس بعد أن نخره
السوس، لقد مرّ بنفس الألم قبل عام عندما خلع ضرس العقل.
كان يجرّب كل طريقة يعتقد أنها ستخفف من وطأة الألم.. يضغط بشدة على
أسنانه حتى يكاد أن يحطمها..
يتمضمض بالماء الفاتر والملح والخل..
ينظف أسنانه بالفرشاة والمعجون ولأول مرة منذ شهر، ولكن كل ذلك لم
يأتِ بأي نتيجة!
لقد كانت التاسعة والنصف صباحاً..
عندما غادر عيادة طبيب الأسنان مبتسماً وكأنه قد تخلّص من كل هموم
أهل الأرض دفعة واحدة!
لقد كانت قطعة من القطن الطبيّ الأبيض تحتلّ مكان ضرسه المخلوع..
بينما كان الأخير يقبع وحيداً في قاع سلة المهملات المعدنية في زاوية
العيادة..
وآيات الرعب والصدمة ترتسمان على ملامحه!!
تعليقات
إرسال تعليق