جريمة مجتمع
(أُقصوصة) ألقت شمس الأصيل بخيوطها الذهبية الأخيرة لذلك النهار الصيفي.. كانت تلك الخيوط تتسرّب من خلف الستارة الزرقاء للنافذة التي تتوسط الصالة، في الشقة السكنية المتوسطة الحجم، بأحد أحياء الرياض.. وكأن الشمس كانت تلقي نظرةً فاحصةً قبل أن تودّع في نهاية يومها جسد تلك الزوجة البائسة المسجّى في وسط الصالة، بينما لم يتوقف ذلك الطفل الصغير عن النشيج، منكفئاً على جسد أمه الساكن بلا حراك منذ ما يقارب الدقائق العشر، المدة التي فقدت فيها الأم وعيها قبل أن تستعيده فجأة. فتحت تلك المسكينة عينيها المتورّمتين ونظرت إلى السقف الأبيض فوقها.. لم تكن الرؤية واضحة في البداية، لكنها كانت كافية لترى صغيرها الذي كان يهزّ بدنها دون توقّف، وصوت بكائه المرير الممتزج بالنداء عليها يكاد يصمّ آذانها. جذبته إلى صدرها بقوة وأخذت تقبّله بلهفةٍ بالغة في كل جزءٍ طالته من وجهه ورأسه، وتمسح دموعه السحّة التي اختلطت بمخاط أنفه المحمرّ من فرط البكاء. كانت تحسّ بألمٍ رهيب يجثم عليها، ويغطّي كل مفاصلها وعظامها، ويمنعها من الحركة.. وكأنما قد التصق ظهرها بأرضية الصالة بغراءٍ قويّ. هدأ الصغير قليلاً ب...